لعبة التّذاكي ولبنان الذّلّ… بدل الكرامة

{title}
أخبار الأردن -

  خيرالله خيرالله

يبدو التذاكي العدوّ القاتل للبنان واللبنانيين. بلغ التذاكي درجة أن يتوهّم وزير لبناني، هو وزير الطاقة، أنّ لدى لبنان “يديّن العالم كرامة”. قال الوزير واسمه وليد فيّاض، في مشهد مضحك مبكٍ مسجّل بالصوت والصورة، إنّ لدى لبنان فائض كرامة يصدّره إلى الجزائر وغير الجزائر من أجل الحصول على ما يكفي من مازوت لإعادة تشغيل معامل الكهرباء!

الكلام عن الكرامة شيء والواقع شيء آخر. الواقع أنّ لبنان من دون كهرباء، وأن لا كرامة ولا من يحزنون، بل ذلّ ليس بعده ذلّ. لبنان يعيش في الذلّ عندما يكون قرار السلم والحرب في يد “الحزب” الذي يخوض حرباً مع إسرائيل على حساب لبنان واللبنانيين وأهل الجنوب تحديداً، خدمة للمشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة كلّها.

لا يستطيع شعب بكامله العيش على ممارسة لعبة التذاكي، أي الكذب على الذات قبل الكذب على الآخرين، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بمستقبل البلد في عالم لا يرحم. أكثر من ذلك، يعيش لبنان في عالم متوحّش لا يوجد فيه من يستطيع وقف المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة مستغلّة جريمة “طوفان الأقصى” التي نفّذتها “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي، وهي جريمة استخدمت لتبرير القضاء على غزة عبر إزالتها من الوجود وتشريد أهلها والدخول في مفاوضات لوقف النار من دون أيّ أفق سياسي من أيّ نوع.


تعلّموا من تجربة غزّة

لم يتعلّم لبنان، على الأصحّ القيمون على لبنان، من تجربة غزّة. ثمّ من الإصرار على نقلها إلى لبنان بدءاً من الجنوب الذي تتعرّض بلدات وقرى عدّة فيه لقصف شبه يوميّ. أظهر شريط وزّع أخيراً حجم الدمار في الجنوب، وهو دمار يكشف خطورة لعبة التذاكي التي تمارسها حكومة تصريف الأعمال التي لا يجرؤ أيّ وزير فيها على قول الحقيقة بديلاً من ممارسة التذاكي. لا شمس تشرق من جنوب لبنان ولا فائض كرامة لدى لبنان. كما قال وزيران يسعيان إلى تسويق الحرب التي يشنّها “الحزب” منفّذاً قراراً إيرانياً.

يكون لبنان بخير عندما يكون الجنوب وأهله بخير ولا يعود “ساحة” لإيران التي برّرت لإسرائيل تدمير كلّ تلك القرى والبلدات وتهجير أهلها. يكون لبنان بخير عندما يقتنع وزير الطاقة أنّ البلد وأهله يعانون من الذلّ اليومي في غياب الكهرباء ولا وجود لشيء اسمه كرامة إلّا عند الذين يعتقدون، مثل هذا الوزير أو ذاك، أنّ لبنان يستطيع العيش على الهبات من الجزائر وغير الجزائر، هذا إذا صدقت الجزائر، والحصول في المقابل على المازوت لتشغيل معامل الكهرباء!

اللّغة الخشبيّة معاناة لبنان

أمّا الأمر الثاني الذي تتجاهله الحكومة اللبنانية ومعظم من يتعاطون في الشأن العام، فيتمثّل في أنّ هناك مخرجاً من الأزمة المصيريّة التي يمرّ فيها لبنان. اسم هذا المخرج: الخروج من لعبة التذاكي قبل أيّ شيء آخر. ماذا يعني ذلك؟ يعني أوّل ما يعنيه أنّ على لبنان تحمّل مسؤوليّاته والقول صراحة إنّ الحرب التي يخوضها خاسرة على كلّ الجبهات وإنّه سيكون الخاسر الأوّل من تلك الحرب التي سمحت لإسرائيل بعد عشرة أشهر من بدئها بتدمير مناطق جنوبيّة بكاملها على طول “الخطّ الأزرق”.


في ظلّ التذاكي الذي يمارسه الجانب اللبناني الرافض للاعتراف بأن لا ضرورة للكلام عن كرامة ولا عن “شمس تشرق من الجنوب”، على حدّ تعبير وزير آخر، يسير لبنان بخطى ثابتة نحو كارثة لا سابق لها في تاريخه الحديث والقديم، أي منذ قيام دولة لبنان الكبير قبل ما يزيد على قرن من الزمن. المعادلة في غاية البساطة والوضوح، ولا تنفع معها لعبة التذاكي التي تمارسها حكومة تصريف الأعمال التي يعرف رئيسها نجيب ميقاتي، قبل غيره، كيف يمكن استعادة الكهرباء. سعى ميقاتي إلى ذلك في أحد الأيام عندما أتى برئيس الشركة الفرنسية المختصّة بالكهرباء (EDF) إلى السراي، لكنّ وزير الطاقة تخلّف عن الموعد مستخدماً حججاً واهية من أجل تفادي المجيء إلى السراي والمشاركة في لقاء مع رئيس EDF.

في غياب القدرة على تسمية الأشياء بأسمائها والقول إنّ لبنان لا يمتلك قراره وإنّه بلد مغلوب على أمره واقع تحت الاحتلال الإيراني، ليس أفضل من السكوت. لا حاجة إلى الانبطاح أمام “الحزب” وتقديم الخدمات له وتغطية ما يفعله لا عن طريق الكلام عن كرامة غير موجودة ولا عن شمس تشرق من الجنوب وتبرير ما تقوم به “المقاومة”.

نقطة البداية في التخلّي عن لعبة التذاكي لدى المسيحيين والمسلمين من جهة، والاعتراف بالمسؤولية من جهة أخرى… المسؤولية المترتّبة عن جريمة فتح جبهة جنوب لبنان!

تكمن الوطنية في احترام الذات قبل أيّ شيء وفي معرفة أنّ تنفيذ القرار 1701 الصادر في مثل هذه الأيام من عام 2006 في يد “الجمهوريّة الإسلاميّة” ولا علاقة للبنان وحكومته به. يعرف العالم، كلّ العالم، أنّ في لبنان سلطة عاجزة، وأن لا شمس تشرق من الجنوب، وأنّ اللبنانيين يعيشون في الذلّ بعيداً عن أيّ نوع من الكرامة وما شابه ذلك من خزعبلات لا يتقنها غير الذين ينتمون إلى ما يسمّى “التيار العوني” من أمثال وليد فياض، هذا “التيار” الذي وضع نفسه في خدمة المشروع الإيراني بغية تمكين ميشال عون من الوصول إلى قصر بعبدا.


 



 

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير